كتاب ماذا عن غد ؟


ما الآن ؟ ماذا عن غد ؟ عندما تقرأ دريدا وتنتج فهم لما يكتب ، فلن يستطع أي أحد ان يقول ان فهمك لما يكتب غير واقعي / حقيقي / مطابق / منجز لأن وعلى كل الحالات انت تتوافق مع هذه المدرسة في انفتاح الدلالات على مصراعيه ، لا يفترض دريدا انه يمتلك نصه بقدر ما يعلن انفصاله عنه وتركه مشاع للتأويل ، ولو كان دريدا يمارس فن الخطابة / الكلام / القول لكانت دلالات الكلام النفسية والصوتية قابلة للتحديد ، وقد رفض هذا التوهين للكتابة مقابل الخطابة على أساس اعتبار الكلام أقرب للطبيعة البشرية " روسو " أو أقرب للتمثل الحقيقي " أفلاطون " ، ما لا ينسجم في ذلك والتفكيك الدريدي ان الكلام يمارس رسم الحدود لللفظ هي تخوم المعاني تقف عندها لتنجز حقيقة ما ، بينما يتأسس المنهج الدريدي في اللغة على التشتيت والاختلاف ، وجود الآخر ، هذا التنوع اللامحدود بقواطع الكلام والطبيعة .هذا هو جاك دريدا في لحظة المُنشغل به من قبل مفكرين عرب ، تتجادل في تأطير منهجه ورسم مفاصل تموضع فكره ، فيمن اعتبر هذا الفكر متمثل حقيقة فينا عبر ترجمة هنا ومنهجية في التفكير هناك وبين منكر لهذا الحضور فالمحصلة النهائية في الفكر العربي والإسلامي لا تتمثل فكر دريدا الا في زوايا ضيقة جدا وخجولة التمظهر في النص .هذه نصوص عربية تحاول التعريف بهذا الفكر الذي غدى محور التفكير الغربي باعتباره آخر المناهج الفلسفية في التفكير .بين دفّتي هذا الكتاب محطّات نقدية حول أعقد وأروع الفلسفات المعاصرة من حيث القوّة البلاغية والمعالجة النظرية والكفاءة التقنية التي تحلّى بها دريدا ليس فقط في قراءة النصوص والوقوف على المواطن الفكرية، وإنّما أيضاً في ربط الزمن بالمكان والحاضر بالمستقبل والعقل بالسياسة والأدب بالفلسفة واللغة بالواقع والإنسان بالمصير والألم بالأمل. تتناول هذه الدراسات مواضيع متنوّعة تخص مصطلح التفكيك ونقد الميتافيزيقا والتمركز الخطابي، وسؤال الشبحية والعلامة والتأويل، إلى جانب قضايا الحرية والسياسة والعقل وحقوق الإنسان والحيوان. تحاول هذه الدراسات الإلمام بالجوانب المترامية الأطراف لفلسفة دريدا التي تتقاطع مع الفلسفات الأخرى نقداً وتنويعاً، أو مع المناهج النظرية والتطبيقية تأثّراً وتأثيراً مثل البنيوية والسيميائية والتداولية. هناك أيضاً محطات حول موقع الفكر العربي المعاصر في خريطة التفكيك وموقفه من فلسفة دريدا، بين الإشادة والانتقاء، أو الهجران والهجاء. لكن أيّاً كانت المسوّغات في تبنّي مواقف دريدا أو استهجانها، تبقى هذه المواقف الشاهد على تطوّر الفكر الفلسفي من البداهات الأفلاطونية والديكارتية إلى البواده النيتشوية والهايدغرية، حيث سؤال الحقيقة والواقع والقيمة يبتعد عن الضمانات الموهومة لينفتح على الإمكانات التي تنبثق من صُلب الحدث، في الآن، وفي الآتي.محمد شوقي الزين.كاتب من الجزائر يشتغل في الفلسفة والفكر الكلاسيكي والمعاصر. له مؤلفات وترجمات بالعربية والفرنسية، ولقاء بالفيلسوف جاك دريدا في الندوات الدولية وفي المدرسة العليا للدراسات الاجتماعية حيث شهد محاضراته، وراسله بانتظام.


إنسان وكتاب

إرسال تعليق

0 تعليقات